18.1 C
بنغازي
2024-04-24
مقالات رأي

سر معركة أردوغان في ليبيا

سر معركة أردوغان في ليبيا - Untitled

بقلم: فارس بن حزام

يتساءل كثيرون: ماذا تريد تركيا من ليبيا، ولماذا هذه الاستماتة لتغليب فئة على أخرى؟ إنه الغاز، وإنها طرابلس، آخر نافذة لأنقرة لتحقيق مكاسب في معركة البحر المتوسط، بعد أن أوصدت جميع النوافذ في وجهها.

في شرق “المتوسط” معارك باردة أخرى تدور، وحدها معركة الغاز الليبي المشتعلة، ووحدها تركيا المتوترة جداً من تسارع بين الدول إلى ترسيم حدودها البحرية. وعلى هذه المياه، تطل ثمانية دول مستقلة، ودولة تاسعة فاقدة لقرارها هي قبرص التركية، وسلطة واحدة هي الفلسطينية. ومنذ سنوات قريبة، تتسابق الدول لعقد التحالفات، لتضمن مياهها الاقتصادية وتحميها، تلك المحددة بقانون أقرته الأمم المتحدة في عام 1982، وتمتد إلى مسافة 200 ميل بحري عن ساحل الدولة كحد أقصى، والهدف ضبط أي نزاعات بين الدول على ثروات البحر خارج حدودها الإقليمية؛ مثل النفط والغاز وصيد الأسماك.

وسباق التنقيب بين الدول، يوازيه سباق شركات عالمية، مدعومة بدولها خلفها، للفوز بعقود التنقيب الذهبية؛ لأن المياه تغمر 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز غير المكتشف، ولعاب الدول يسيل لإنقاذ اقتصاداتها المريضة. وأمام الغاز، تسقط الشعارات، فلبنان وإسرائيل على خلاف حول حقل غاز على حدودهما، وترسيم الحدود البحرية آت لا محالة، فهذه ثروة هائلة سمحت ببدء مفاوضات غير مباشرة، وتالياً التطبيع المغلف مع “دولة الاحتلال”.

وتركيا المتوترة تواصل احتجاجها على اتفاق الحدود البحري بين مصر وقبرص، وتزعم أنها مست مناطقها، واحتجت على اتفاق قبرص وإسرائيل أيضاً، ولبنان يرى أنه اتفاق تعدى على منطقته الاقتصادية. وحتى الآن لم يأخذ أي نزاع طابعاً عسكرياً، ولا شيء يوحي في المستقبل بانزلاق دول البحر المتوسط إليه، أما اللافت، فهي علاقة بلاد الرئيس أردوغان السيئة بجميع دول شرق المتوسط، إذا ما استثنينا إسرائيل، التي تبدو علاقة تركيا بها هانئة في الباطن ومضطربة في الظاهر. ليتساءل المرء: كيف لدولة أن تدير شؤونها مع كل هذا الكم من الخصومة؟

ولمواجهة أطماع تركيا ونهجها المضطرب، قادت مصر معركتها السلمية عبر حلف ثلاثي مع اليونان وقبرص، وكان الظن بداية أنه سياسي ضد تركيا، واتضح أنه اقتصادي بامتياز لأجل حقول الغاز. وطورت القاهرة خطوتها الذكية لتؤسس “منتدى غاز شرق المتوسط”، بعضوية الدول المطلة على البحر، وأضافت إليهم إيطاليا، أقرب الأوروبيين الكبار، واستثنت سورية وليبيا إلى حين استقرار وضعهما، وتركيا المشاغبة.

وطوال أعوام، ترسل أنقرة تحذيراتها لجارتيها اليونان وقبرص من مغبة التنقيب عن الغاز، تارة بتصريحات المسؤولين، وتارة بسفن حربية تعيق العمليات، انتظاراً لما تسفر عنه جهودها في طرابلس، ذلك أن تركيا لم توقع على اتفاق قانون البحار، فيما وقعته ليبيا ولم تصادق عليه، وإذا انتصر الرئيس أردوغان في معركته، وثبت حكم حلفائه، تستطيع الدولتان رسم حدود بحرية غير سليمة، وتستفيد أنقرة من زيادة إجمالي مساحة منطقتها الاقتصادية إلى نحو 190 ألف كلم، متجاوزة اليونان وقبرص، وتلك حكاية من حكايات المقامرات التركية المغيبة في منطقتنا.

نقلًا عن صحيفة الحياة