18.1 C
بنغازي
2024-04-23
مقالات رأي

التحديات الأمنية ومقاربة الاعتماد المتبادل في منطقة البحر الأبيض المتوسط

التحديات الأمنية ومقاربة الاعتماد المتبادل في منطقة البحر الأبيض المتوسط - 3

بقلم: د. يوسف الفارسي – متخصص في شؤون الأمن القومي والإقليمي في منطقة غرب المتوسط

كان لنهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وتراجع الشيوعية تداعيات عالمية متعددة استراتيجية واقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية في أكثر من منطقة من العالم ولم يشكل حوض البحر الابيض المتوسط الاستثناء وبالمقابل شهد العالم سرعة كبيرة في عمليات التبادل المختلفة الاشخاص والأفكار والسلع والخدمات ومن ثمة بروز ترتيبات عالمية جديدة على مستوى النظام الدولي والاقتصاد والثقافة والأمن تستوجب الاحتياط والمشاركة وذلك ما شهدته منطقة المتوسط من حوارات متعددة الأطراف وثنائية في المجال السياسي الاقتصادي الثقافي والأمني والاجتماعي والتي تناولت موضوعات محورية لتحديد الرؤى والتصورات حول المصالح المشتركة بين دول المنطقة وحدات سياسية ومنظمات حكومية وغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني

ففي زمن العولمة وسرعة التبادل والاتصال كان لزاما على الفواعل الدولية التوجه نحو مزيد من التنسيق والتشاور والتعاون خاصة بين الأطراف في منطقة الإقليم المشترك أصبحت دوافع الحوار أكثر من ضرورة بعكس فترة ما قبل الحرب الباردة عندما كانت معظم هذه الانشغالات التهديدات تخضع وترتب وتعالج وفق أجندات قوى المعسكرين لكن التباينات الحاصلة على المستوى الأنظمة السياسية والاجتماعية والثقافية والامنية ومدركات التهديد بين أطراف الحوار في المتوسط الغربي لم تمنع من التقاء هذه الأطراف بعضها بالبعض الأخر للتحاور حول مختلف التحديات التي قد تتحول إلى تهديدات أمنية في المنطقة ساعية عبر الحوار البناء أن يحقق كل طرف لنفسه وللمجموعة ولمنطقة غرب المتوسط أمنها واستقرارها لتكون الارضية الملائمة لبحث تعاون متعدد الأوجه والأطراف يساهم ويدعم أمن المنطقة.

ولا يمكن لذلك أن يستمر من دون احترام شروط الحوار التي تقوم على الاختلاف وحرية الفكرة والرأي واحترام الطرف الاخر بل يكون الانطلاق من نقاط الاختلاف للبحث عن الحقيقة التي تحظى بالإجماع والقبول حتى لا تكون التباينات الحاصلة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني محل مساومة بين الأطراف حينها يمكن للحوار أن يستمر وبتواصل وترجى منه النتائج ويؤسس لقاعدة تفاهم مشتركة حول جملة من المبادئ.

  • أن يقوم كل طرف من أطراف الحوار بنقد ذاتي لواقعه السياسي الاقتصادي الاجتماعي الثقافي والامني وعليها يبني رؤيته للحوار وما يمكن أن يحقق منه بناء على ذلك الواقع وكون غرب المتوسط والحوارات التي عرفها منذ نهاية الحرب الباردة ضمت دائما أطرافا متباينة سياسيا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا وحتى في مدركات التهديد لأمنها كان لزاما على الحلف الأضعف المقصود هنا هي دول المغرب العربي كون الحوارات الأمنية في غرب المتوسط وفي صيغتها المختلفة ضمت أطرافا أكثر قوة وتطورا وتنظيما كالاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي أن تكون مدركة تمام الإدراك لواقعها ولواقع محاوريها وهو الأساس الذي تنطلق منه الرؤى في مختلف الحوارات وأن تدافع عن رؤاها وخياراتها حتى تكون قادرة وملتزمة بما يمكن ان تأتي به هذه الحوارات فمن دونهم لا تستطيع بقية الاطراف أن تحقق أمنها المنشود في مختلف أبعاده.
  • يتوجب أن يشغل حيزه الحقيقي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا واستراتيجيا دون أي شعور بالنقص وعدم القدرة فحضوره دليل على أهميته ووزنه ودوره ولو كان ثانويا فله ما يقدمه ويدافع عنه حتى ترتقي الحوارات إلى مستوى أكثر توازنا يعزز الاحترام والثقة حول أرضية الحوار وما تقوم عليه من مبادئ ومعايير وقيم مشتركة وبالتالي الحوارات المختلفة التي عرفتها منطقة غرب المتوسط وفي أشكالها المختلفة تبعث وتؤسس للأمن والاستقرار في المنطقة فهي وليدة ظروف دولية ألزمت الوحدات السياسية ومنظمات إقليمية فوق قومية ذات طبيعة لا دولتية بالتأسيس لهذه الحوارات إيمانا منها بضرورة التنسيق والتشاور والتعاون لإرساء قواعد للسلم والأمن والتعاون عن طريق المشاركة كل حسب إمكانياته لمواجهة التهديدات المختلفة والمتنامية التي تعرفها المنطقة والتي استفحلت منذ نهاية الحرب الباردة كظاهرة الإرهاب والجريمة الاقتصادية والهجرة السرية والمخدرات والبيئة…

فهذه التهديدات لم تعد تخص دولة أو مجتمعا بعينه فهي عابرة للدول والمجتمعات ولا يستطيع أي مجتمع أو أية دولة أن تكون في منأى عنها فصعوبة تحديد هوية وجغرافية الجريمة والتهديد يستوجب التعاون والتشاور والتنسيق لمحاصرتها ووضع الخطط والأليات الكفيلة بالتصدي لها وإحباطها فالحوار المتواصل بين جميع الأطراف كفيل بإبقاء الاتصال واليقظة والثقة المتبادلة التي تعزز التعاون والشراكة وتحقق نتائج ملموسة تخدم أمن واستقرار المنطقة وتشجع على مواصلة هذه الحوارات.

د. يوسف الفارسي – أستاذ العلوم السياسية بجامعة عمر المختار فرع درنة