16.4 C
بنغازي
2024-03-19
مقالات رأي

نقص السيولة وانعكاساتها على الأسرة الليبية

نقص السيولة وانعكاساتها على الأسرة الليبية - 50546207 2342081839358154 8076534435027091456 n 1

يعد العامل الاقتصادي واحدا من أهم المحركات في تاريخ التطور الإنساني ففي حالة استقراره يؤدي إلى استقرار الحياة الاجتماعية والعكس صحيح.

والأمم التي تتمتع باقتصاد جيد ومستقر تكون قادرة على إنتاج مجتمع قوي وقادر على التأثير بما حوله حيث تنتج الإنسان القوي الأكثر عطاء وبالتالي تقلل من الآثار السلبية للظواهر الاجتماعية فالعامل الاقتصادي عامل مهم جداً وله تأثيره على الحياة الاجتماعية.

ومما لا شك فيه أن المستوى المعيشي في أي بلد يرتبط ارتباطا وثيقا بدخل الفرد، فلا يكاد يخفى للعيان أن المواطن الليبي في كافة أنحاء البلاد يعاني من أوضاع اجتماعية مزرية تتزايد يوماً بعد يوم، ومن بين هذه الأوضاع ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فارتفاع سعر الدولار أمام الدينار الليبي، ونقص السيولة النقدية في المصارف نظراً لعجز المصارف لتوفير الأموال يعتبر من أهم العقبات التي تواجه الليبيين.

ومشكلة نقص السيولة بغض النظر عن أسبابها، ومَنْ المسؤولين عن حدوثها؟ لها انعكاسات متعددة على المجتمع الليبي، خصوصاً أن أغلب أفراده يعتمدون على الراتب الشهري كدخل للأسرة وعن طريقه يُديرون شؤون حياتهم.

وفي ظل هذه الأوضاع يقف رب الأسرة عاجزا عن تلبية الحاجات الأساسية والثانوية لأفراد أسرته مما يخلق حالة من التذمر وعدم الرضا حيث تصبح العلاقات الأسرية متوترة وغير مستقرة وقد تصل ببعض الأسر إلى الطلاق.

واستمرار هذه الأوضاع جعلت عدد من النساء يخرجن للعمل، أو أن يُقمن مشاريع صغيرة في منازلهن (صناعة الحلويات والموالح والخياطة.. الخ) والتي من الممكن أن يساعدن أزواجهن بمردودها لتوفير حاجات أُسرهن، وقد تدفع الأسر أبنائها للعمل وتهمل تنشئتهم الاجتماعية وواجباتهم المدرسية.

كذلك هناك انعكاسات على الشباب في ظل الأزمة الاقتصادية أثناء إقبالهم على الزواج الأمر الذي يجعل هذه الفكرة في نظرهم شبه مستحيلة في هذا الوقت، ويستمرون في الابتعاد عن مبادئهم ومعتقداتهم والقيم الاجتماعية والأخلاقية لمجتمعهم والتي تعتبر إحدى آليات الضبط الاجتماعي التي تؤدي إلى استقرار وتوازن البناء الاجتماعي في المجتمع، ويتجهون للسلوك الإجرامي مثل السرقة والتسول والإرهاب والفساد الإداري والمالي.

ومع كل هذا إلا أننا لا يمكننا إغفال الجانب المضيء في هذا الموضوع وهو انعكاسات هذه المشكلة الاقتصادية على العادات والتقاليد والتي من بينها المآتم والأفراح والاحتفالات بالمواليد (أسبوع) حيث تغيّر أسلوب الاستهلاك من إسراف وتبذير إلى وسطية في الاستهلاك مجاراةً للظروف الاقتصادية للأسر الليبية.

في الختام نجد أن مشكلة نقص السيولة النقدية هي أن يجد الإنسان نفسه أمام صعوبة سد الحاجات وهذا ما يجعله في كثير من الأحيان عامل تهديم وتخريب للحياة الاجتماعية بدل من البناء ونجد المجتمع في حالة من التناقضات الاجتماعية التي تؤثر على عملية التطور والنمو في المجتمع ويقف الأفراد عن ممارسة مهامهم اليومية بشكل طبيعي.

بقلم: أ. رجاء حدوث العبدلي

عضو هيأة تدريس بقسم الاجتماع جامعة بنغازي